تبدو الكلمات غير واضحة بالنسبة لي، كأني لم أكتب من قبل، كأن عقلي بدأ لتويه تعلم الهجاء، أفكاري مشتتة تنطلق يمينًا ويساراً وقلبي يؤلمني من تسارع نبضاته، سأحاول التقاط بعض الجمل الأن.
لا أستطيع البوح لورقي بما يدور في رأسي... يا لا للمأساة، أن تكون تلك الحالة ما أوصلت نفسي إليها حتى مع كل أصوات الرفض التي كانت تنطلق لتنبهني بألا أنجرف نحو هذا التيار بتلك السرعة. وبعدما قطعت تلك المسافة انتهى كل شيء كما توقعت.
لستُ متأكدًا من شيء، هل هذا ذنب ما وذلك كان الخلاص؟ أم سيزيف لم يعد أسطورة الأن وها أنا أحمل الصخرة على كتفي منتظرًا أشاره الصعود مرة آخري.
كل تلك الصور والذكريات التي بيننا، كم سيستغرق حذف كل هذا من الوقت؟ كم سيأخذ من قلبي معه، وماذا سيتبقى لي بعدما أنتهي، أتمنى أن أجد ما يكفي لمواصلة تلك الحياة.
حذفت كل الصور التي جمعتنا من على هاتفي، أكثر من 900 صورة، كل صورة كانت تحمل ذكرى ما، كل ذكرى في مكان بالقاهرة، حيث شهدت تلامس أيدينا وبعض العناق والكثير من النظرات إلى أعيننا، لكنها في المكالمة الأخيرة أخبرتني أن لا ندع تلك الذكريات أن تأثر على قرار انفصالنا، حيث انها مجرد ذكريات، صُدمت من وجهة نظرها تجاه تلك الأشياء وكيف جردتها من الروح، أماكن وأزمان في الشوارع والمطاعم والمقاهي وحتى المواصلات، جلسنا في المقاعد الخلفية والأمامية ووقفنا في الطرقات وتسابقنا في الزحام لنحجز لنا مكان، لكننا لم نعد نتسابق الأن سوى في إنهاء كل شيء بالسرعة الكافية. حددت كل الصور وكنت أتلاشى النظر إلى وجهها أو وجهي، لم ألاحظ السعادة التي كانت تغمر وجهي في كل صورة، حددت كل الصور وبسرعة ضغطت على الحذف، وكان قلبي يُعتصر من الخفقان، لكن شيئًا لم يحدث، لم تتبدل جدران غرفتي ولا الزمان عاد إلى ذلك التاريخ الذي تقابلنا فيه ولا حتى ضاعت ذاكرتي، لم يحدث أي شيء مما كنت أتمنى أن يحدث، لكنني لاحظت سيل من الكلمات يتدفق إلى عقلي، فبسرعة أمسكت لوحة المفاتيح وبدأت أكتب " حذفت كل الصور التي جمعتنا من على هاتفي ".
"كنّا نتوه في القاهرة العجوز، ننسى الزمنا... نفلت من ضجيج سياراتها، وأغنيات المتسولين"-امل دنقل
كنت دومًا أشعر أننا تقابلنا في كون آخر غير هذا، بعض التصرفات والأشياء كانت تؤكد لي ذلك، وكنت في قرارة نفسي أشعر اننا قررنا –بعد موتنا – أن نتقابل مرة أخرى، أردنا أن نعيد نفس قصة الحب تلك مرة أخرى، لكن لأنني لا أتذكر ما حدث سابقًا فلست متأكد هل أردنا هذا لأننا فشلنا في الاستمرار هناك أيضًا أم لأننا نجحنا؟ لا أعرف، لكن ما اعرفه جيدًا الأن هو انني لا أريد أن تتكرر تلك العلاقة في أي زمان أو مكان أخر، تكفيني محاولتين فلا أريد أن أخوض الثالثة وانا اعرف نهايتها مسبقًا، لا أريد لهذا الشرخ في قلبي أن يمتد أكثر من ذلك.
"قلتُ: "فليكن الحبُ في الأرض، لكنه لم يكن". –أمل دنقل
أن تمزق كل الخيوط التي تربطنا وتقطع كل الآمال التي يمكن أن تبقينا على اتصال... ثم تبكي، هذا ما تفعله هي الأن، انها تبكي على شيء لم يعد بإمكاننا إصلاحه، أنتهى كل شيء في علاقتنا للأبد، أعترف أني حزين... أخبرتها أن الخيط إذ تمزق سنفقد كل أمالنا في العودة... لكنها لم تعد تثق فيّ، حاول عقلي في الأيام الماضية أن يتصور أشياء كنت أعرف في قرارة نفسي أنها مستحيلة الحدوث، تحدثنا بالأمس وأخبرتها بما أفكر فيه، لأن علاقتنا لا تعرف حدود ولا أسرار، فنفت كل شكوكي فاسترحت، لا لشيء سوى إنني تأكدت انني لم أكن مغفلاً.
الأن أصبح بإمكاني إنهاء تلك العلاقة في داخلي بالطريقة التي أفضلها بعيداً عن خيالاتي السيئة، لستُ آدم، لكنها أكلت التفاحة، وحواء لم يعفو عنها الله حتى الأن، انا أيضًا لن أعفو عنها، هي لم تذنب في حقي أو في حق نفسها، لكن لم يعد معقولاً أن نعلق أنفسنا بأشياء مستحيلة، منذ ذلك اليوم 6/6/2015 حتى يوم فرقنا مررت بلحظات كثيرة من السعادة وأخرى من التعاسة، لكنني لم أعد أتذكرهم جميعًا، سوى الوعود والعهود بالبقاء لم أعد أتذكر، لن أسير على خطاها وأقول ان ثلاثة سنوات من الذكريات غير مهمة لا يمكن أن تؤثر علينا، بالعكس سأتذكر القليل من الأشياء في الأيام القادمة لكنني سأخذ ما يخصني وسأترك كل شيء، سأخذ أسم أبنتي مريم والهجرة إلى كندا وشهر العسل في تونس او أحدى جزر أسيا، وربما شقة أكتوبر، المدينة التي أحبها، لكنني سعيد لأنني لن أذهب إلى هناك مرة أخرى.
الأن انا بخير، لم أعد أفكر في شيء مما مضى، في بعض اللحظات تخونني قدرتي لكن سرعان ما أُذكّرها أنها أحبت غيري في فترة أقل من أن ننسى رائحة بعضنا البعض، فأعود بخير مرة أخرى، انا سعيد بأخر مكالمة دارت بيننا، استطعت أن اتخطى جزء كبير من أحزاني العالقة بي وتخلصت من عناء التفكير في حبي لها وهل يمكن أنها كانت تخونني، لا أعرف لم صدقتها حين نفت لكن انا معتاد على أن أصدقها منذ وعدتني أنها لن تكذب علي مطلقاً، حتى على الرغم من أنها لم تفي بكل وعودها بالبقاء وعدم الرحيل مطلقاً وأني "راجلها الوحيد"، لكنني أصدقها. في السابق كان بداخلي اعتقاد انه ربما ولسبب ما يمكن أن نعود مرة أخرى لكن عقلي كان يرفض تلك الفرضية، الأن أخيرًا اتفقنا انا وعقلي على أنه لا مجال أو حديث للعودة، انتهت كما تنتهي كل الروايات الجميلة التي قرأتها.
أشعر بالوحدة، وأفتقد الكثيرون، جدتي... أبي... وهي، ليس حبًا لها لكن لهذا الفراغ الهائل الذي اخترقني الأن، اليوم هو خطبة أختي.
حاولت ألا أحزن، وحاولت ألا أبدو حزينًا، لكنني حزين. حزين لأنهم أكثر من ثلاثة سنوات... الكثير من الذكريات تعني الكثير من الآلام، حزين على كل ذلك المجهود الذي بذلته لكنه ضاع كالغبار في الهواء دون مقابل، أشعر أن حياتي قد فقدت إلى الأبد.
مر شهر تقريبًا منذ المرة الأخيرة التي كتبت فيها شيئًا بخصوص هذا الموضوع، من الجيد إنني لم أنشر تلك الكلمات حتى الأن، لأنه يبدو إنني لم أنتهي بعد، صحيح انني في قرارة نفسي اتخذت قراراً حقيقيا بانني لن أعود مرة أخرى إذا سنحت تلك الفرصة يومًا ما، لكن ماذا أفعل في نظرات الحرمان التي تعتليني حينما أجد أثنين يمسكان بأيدي بعضهما وكلهم حب؟! أنظر إليهما كما ينظر الجائع إلى رغيف خبز.
لو اننا نعود حيث التقينا، ولا نلتقي!.
حتى لو كنت أبدو قويًا فأنا منهار من الداخل، وتعبت من محاولة عدم الإنهيار والثبات أمام الجميع، أتمنى أن أرتمي في أحضان أحدهم وأبكي حتى أغفو في النوم تمامًا، ولا أستيقظ أبدًا.
يجب أن تنتهي تلك المأساة، سوف أقوم بنشر تلك التدوينة اليوم، صحيح إنني بخير الأن لكن يتبقى القليل وقد مللت الإنتظار حتى ينتهي كل شيء، تلك التدوينة هي رغبة ملحة في الكتابة لحظة أنهياري، كل فقرة كتبت في وقت مختلف على مدار تاريخ إنفصالنا حتى اليوم، تعمدت ألا أؤرّخ الفقرات لأنه غير مهم، في النهاية سأنساها كلها فلا داعي لذكريات أخرى، إلى كل من سيقرأ تلك التدوينة: انا من الداخل محطم ولا أرى أمل في تلك الحياة سوى محاولة الإستمتاع بالمتبقي منها.
تعليقات
إرسال تعليق
What's on your mind?