التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما أتعس الأنسان




ربما يفزِعكِ قليلاً سيدتي القارئةُ سؤال: كم عُمرِك؟.. لكن صدقيني أصبح هذا السؤال يفزعني أيضاً.
أقل من شهرين وسأكمل عامي الرابع والعشرين، وعندما يسألني أحدهم الأن كم أتممت.. أتلعثم في الرد وأقول " أتممتُ الثامنة عشر وقليلاً " نعم توقّفت روحي عند الثامنة عشر لكن جسدي سيكمل الطريق إلى الأربعين أو الخمسين ربما، لكن السؤال.. كيف يكمل جسدي عمره بدوني !!
تستطيع أن تقيس مقدار تقدمك في العمر عبر أنجازاتك في الحياة القصيرة/الطويلة التي ستعيشها سواء حققت هدفاً أو لم تحقق، عندها فقط يمكن أن يُثقل كاهلك وجودك في خانة منتصف العشرينيات.
يا إلهي !!
منتصف العشرينيات بالنسبة إليّ هو الفارق بين فزع رجل وصدمة إمرأة على مشارف الأربعينيات، لك أن تتخيل أنت مقدار الهلع الذي أصابني عندما فكرت في الإجابة على سؤال ساذج من أحدهم ربما بعد عشر دقائق من انتهاء حديثنا سينسى أنني قلت له أنني تخطيتُ الثالثة والعشرين، وسينسى هو أنه سألني من الأساس.
سيظل يؤرقني تفكيري، كم مضى وكم بقى لأتلكع في درب رحلتي هكذا!! قرص الشمس أصبح في منتصف السماء وها هي توشك على أن تُطمس وترحل إلى الجزء الآخر من الكوكب.. جزء أنا لستُ فيهِ.. فهل ستشرق من جديد ؟؟ لا.. إنها إشراقة واحدة وقد كنتُ جزء منا فلا إشراقة أخرى سوى في النهايات الدرامية لمسلسل Fargo  .. أوه يا إلهي مجدداً!! لقد نسيت ماحدث في آخر حلقة من ذلك المسلسل .. قبل أن يحصل زوج مولي على ميدالية الشجاعة لسبب لا أتذكرهُ الآن..، غرق ليستر في بحيرة متجمدة أثناء مطاردة الشرطة له !! ما أتعس الإنسان كما قال الأبنودي.

"  شوية فات سقراط مسلسلينه من القدم للباط .. ومتهم باليأس والإحباط وبالعدم وبالزنا وباللواط
وبكل كافة التهم وهو عابر للجحيم على الصراط .. ينظر على الشعب التعيس ويبتسم
إلى الجحيم للفلسفة
دنيا لا كانت يوم ولا حتكون فى يوم كويسه .. دنيا فى هيئة خنفسه دنيا فسه
ما أتعس الإنسان .. ما أسعد الحيوان " – الخال، أحزاني العادية-

لأن عمر الإنسان مش " بعزقه " وسيسألنا الله عن أعمارنا فيما أفنيناها فلا أعلم ماذا سأقول لله حين يسألني !! أليس من المفترض أنه يعرف ؟ لماذا يسألني مالا أعلم له إجابة إذاً ؟! أفنيته في البحث عن ذاتي يا الله .. لأنك خلقتني بلا ذات.
أتذكر جيداً حينما أتممتُ الثامنة عشر، حينها أحسست وكأن لا أحد في الكون سواي.. لقد كبرت وأصبحت رجلاً يستطيع أن يتخذ قراراً –في الغالب كان خطأ- لكن في النهاية إتخذت قراراً بمحض إرادتي.. وذهبت مباشرةً إلى العشرين وما أدراك ما العشرين.. حيث كل شئ فيها سريع لدرجة تجعلك تنظر إلى كل الأشياء دون أن تحصل على شئ واحد منها، ثم وسريعاً وجدتني أستمع إلى محمد منير وهو يقول: " إمبارح وأنا بعذوبتي فارح بالشوق والهوى سارح كان عمري عشرين و إمبارح كانت الامواج تتلاوح صحت الأبدان تترايح يا زهرة السنين إمبارح .. إمبارح .. كان عمري عشرين كان عمري عشرين .. عشرين. " ثم وجدتي في الإثنين وعشرين أنظر حولي دون أي قدرة على إستيعاب كيف حدث هذا، واليوم.. أحاول أن أفهم أين ذهبت السنوات الماضية وكيف سجلت حضوري ورحلتُ دون أن أكون أنا !! هل يُعقل أن تتحد قوانين النسبة مع قانون إدراك الزمن لتحط عليّ فجأة ؟!

إدراك الزمن هو حقل من العلوم الفسيولوجية وعلوم الأعصاب. يُعنى بتقديرنا للزمن، والتي تختلف عن الحواس الأخرى لأنها لا يمكن أن تكون محسوسة مباشرة بل يجب معالجتها في المخ. " –ويكيبيديا-

لا أقول أن تلك السنوات ذهبت دون فعل شئ، لكن الشئ الموجع أنها ذهبت ومعها الكثير من الأشياء الغير مكتملة.. ذكريات وإنجازات –ربما لا أجد كلمة مناسبة أخرى الآن – مشوهة لم يكتب لها الله أن تكتمل، ثم يأتي الله ويسألني فيما أفنيت عمري !! بالطبع أفنيته في البحث عن ذاتي يا الله .. لأنك خلقتني شخص محكوم عليه أن تُفنى حياته محاولاً إكمال الجزء الغير مكتمل منها.. لكنه فشل، فأنا سيزيف الحقيقي ولستُ الأسطورة المزعومة.

سيزيف هو شخص استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي.” –ويكيبيديا-

أعود لكي سيدتي القارئة لسببين، الأول لأنك الآن أعتقد تفهمين ما أعني خاصة بعدما أوضحت لكي جزء من سبب خوفي ومعاناتي مع الرابعة والعشرين .. والسبب الثاني هو أنني بدأت حديثي معكِ فيجب أن أنهي حديثي معكِ أيضاً، منذ أيام أثناء عودتي من العمل وعلى طريق الكورنيش أخذتُ أفكر كم أنا متأخر الآن عن من هم حولي، أصغر سناً مني وأنا صاحب الثلاثة والعشرين عاماً أسير بجوارهم وببطئ، كل هذا ولا أجد لنفسي هدفاً أسير إليه، بحثتُ كثيراً بالفعل لكن حتى الآن لم أجدني منذ أن فقدتني منذ أعوام، ماذا أريد.. لا أعرف، متى سأعرف.. لا أعلم، حتى أنه تأتي علي أحياناً وأقرر أن أترك نفسي للتيار يأخذني حيثما يشاء فلن تزداد الطين بلة كما يدْعوّن، فالطين طين في النهاية.


" والموج يجيبك ويوديك وأنت ما تتخذ قرار وأنا أنتظرك تتحرك وأنت ساكن مثل الحجر .. " –المربع، ماعندك خبر-

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شدة وتزول

شدة وتزول في مساء يوم الأحد نشب حريق في إحدى المزارع الصغيرة المتواجدة على أطراف مدينة شيكاجو عام 1871 بسبب بقرة لشخص يدعى " باتريك" قد ركلت فانوس الأنارة على الارض لتشتعل من بعدها مدينة شيكاجو بالكامل ولمدة ثلاثة ايام متواصلة حتى صباح يوم الثلاثاء العاشر من أكتوبر من نفس العام. عام 1950 قامت حرباً أخرى في كوريا سُميت لاحقاً بالحرب المنسية، حيث كانت مقسمة حين ذاك إلى جزئين، الشمالي والجنوبي، الاول تحت الاحتلال السوفيتي او السيطرة السوفيتية والأخير تحت سيطرة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة مع الصين كطرف أخر في الصراع حيث وصل إلى التدخل العسكري مما أدى إلى تقسيم كوريا إلى كوريتيين " الشمالية والجنوبية " وبعدها قامت ما يسمى بالحرب المنسية نظراً إلى انها لم تجذب أهتماماً مثل الحرب العالمية الثانية او اسمها الرسمي " حرب تحرير الأرض ". كان " حريق شيكاجو العظيم " بمثابة اللعنة التي دمرت حوالي أربعة ميل مربع لسبب ما مجهول، ظل رجال الإطفاء يوماً كاملاً يحاولون السيطرة على الحريق لكن دون جدوى، فإستسلموا للأمر إلى أن هدأت النير

ليك الحق تتمرد - انا مع تمرد -

ليـك حــق بعد إنتخاب الرئيس ووضع دستور جديد نتساءل ... فين مشروع النهضة ؟، فين محاكمات العسكر ؟، فين إعادة محاكمات مبارك ونظامه ؟، فين المليارات اللي بتجيلنا من الدول التانيه ؟، فين المصانع الوهمية اللي بتفتح عندنا كل شوية ؟، فين رغيف العيش النص متر ؟، فين أدلة تورط جبهة الإنقاذ في موقعة الإتحادية ؟، فين خطة إسقاط الرئيس ؟، فين تسجيلات المحكمة الدستورية ؟، فين الملفات السودا اللي هيطلعها النائب العام ؟، فين خطة الـ١٠٠ يوم ؟، طب الـ٢٠٠ .. ٣٠٠ !؟، فين الحكومة القوية ؟، فين تطهير الداخلية ؟، فين الديمقراطية والعدالة الإجتماعية !!؟ فين ..!!؟ فين ...!!؟ فين .....!!!؟ شباب كتير ماتت فى الثورة دى علشان مصر، ضحُّوا بحياتهم وأهلهم علشان انتوا تعيشوا حياة عادلة،، الناس دى نزلت التحرير وهى مش مستنِّيه تظهر فى التلفزيون ولا عايزه منصب فى وزارة ولا حتى إزازة زيت ثمن صوتهم وإنسانيتهم .. الشهداء اللى لسه ماجاش حقُّهم لحد دلوقتى كان نفسهم فى رئيس يحكم بالعدل.. وبديننا الإسلامى زى ما قال لنا الرسول .. ويساعدونا مش يساعدوا الجماعة، كان كل طموحهم إنهم ينزلوا يجيبوا رغيف عيش يليق با

المُعينون في المنظمات الحقوقية

-مقتبس عن قصة حقيقية -ذات يوم صدمت سيارة جرواً يعبر الطريق لأمه، فكسرت قدمه الصغيرة، لم يقوى على الإحتمال وظل يصرخ من شدة الألم، حاولت ومن حولي الإقتراب منه فرأيت دموعه تتساقط من عينيه كإنه بشر، هل تتخيلون أن يذرف جرواً دمعاً !! ظل يصرخ ويبكي إلى أن وصلت أمه وكل هذا لم يتعدى الثواني المعدودة، أخذت الأم تقبل صغيرها وتتطمئن على قدمه وهي تنبح في الجميع كإنها تحاول معرفة من منا حاول قتل طفلها، ثم وسريعاً جرت نحو السيارة وأخدت تنبح بشدة في من بداخلها وهو على وجهه إبتسامة بلهاء، كإنه يقول لنفسه وللجميع انه جرو ما كل هذه الضجة !! ثم أدار محرك سيارته متجاهلاً الجميع بما فيهم الأم؛ إذ فجأةً وقفت هي أمامه لتمنعهُ من الفرار فكاد أن يصدمها هي الأخرى حتى إبتعدت من أمامه وفر سريعاً لكنها لحقت به إلى أن إبتعدوا بعيداً عن صغيرها ف اضطرت للرجوع للمكوث بجواره ورعايته وهي تحدق فينا غير واثقه بنا، وتكشر عن أنيابها وكإنها تأمرنا بالإبتعاد والرحيل عنهما غير طالبة أي مساعدة مننا فقط نظرات الخوف والترقب هي ما سيطرت على المشهد إلى أن إبتعد الجميع رويداً رويداً .. وهي بدأت في سحب صغيرها إلى مكان أك